لرسوله أن الكفار متظاهرون على إيذائه ، مع أنه لا يطلب منهم أجرا مطلقا ، أمره بأن يتوكل عليه في أموره كلها لدفع جميع المضار ، وجلب جميع المنافع ، فمن يتوكل عليه فهو حسبه وكافيه من كل شر ، وناصره ، ثم أمره بأن ينزهه عن كل نقص كالشريك والولد ، تنزيها مقترنا بحمده وشكره ، فيقرن بين الحمد والتسبيح ، قائلا : سبحان الله وبحمده ، ولهذا كان رسول اللهصلىاللهعليهوسلم يقول : «سبحانك اللهم ربّنا وبحمدك» أي أخلص له العبادة والتوكل. ومعنى التوكل : تفويض الأمر كله لله بعد اتخاذ الأسباب والوسائط المطلوبة شرعا وعقلا.
وللآية نظائر كثيرة مثل : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) [المزمّل ٧٣ / ٩](فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) [هود ١١ / ١٢٣](قُلْ : هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا) [الملك ٦٧ / ٢٩].
(وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً) أي كفاك الله عالما علما تاما بمعاصي عباده ، لا تخفى عليه خافية ، يعلم ما ظهر منها وما بطن ، وهو محصيها عليهم ، ومجازيهم عليها ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الحديد ٥٧ / ٣]. وفي هذا سلوة لرسوله ، ووعيد للكفار إن لم يؤمنوا على كفرهم ومعاصيهم.
(الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) أي أن الله الخبير العليم بكل شيء هو الذي أوجد السموات السبع والأرضين السبع في ستة أيام بقدرته وسلطانه ، ثم استوى على العرش أعظم المخلوقات استواء يليق بعظمته ، كما يقول السلف ، وهو الأصح ، واستولى على العرش كما يقول الخلف ، يدبر الأمر ، ويقضي بالحق ، وهو خير الفاصلين. وكلمة (ثُمَ) للترتيب الإخباري ، لا للترتيب الزمني ؛ لأنها ما دخلت على خلق العرش ، بل على رفعه على السموات.