والقول الأصح : ما فعله الصحابة في حروبهم ، لم يتبعوا مدبرا ، ولا ذفّفوا على جريح ، ولا قتلوا أسيرا ، ولا ضمنوا نفسا ولا مالا ، وهم القدوة في ذلك ، قال ابن عمر قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «يا عبد الله أتدري كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة؟ قال : الله ورسوله أعلم ، فقال : لا يجهز على جريحها ، ولا يقتل أسيرها ، ولا يطلب هاربها ، ولا يقسم فيئها» وأخرج الحاكم مثل ذلك عن ابن مسعود ، وروي مثله عن ابن عباس.
أما ما كان قائما رد بعينه.
١٣ ـ أقضية البغاة وأحكامهم : لو تغلب البغاة على بلد ، فأخذوا الصدقات ، وأقاموا الحدود ، وحكموا فيهم بالأحكام ، لم تثنّ عليهم الصدقات ولا الحدود ، ولا ينقض من أحكامهم إلا ما كان خلافا للكتاب أو السنة أو الإجماع ، كما تنقض أحكام أهل العدل والسنة.
وأما أقضيتهم في الخصومات ، فقال أبو يوسف ومحمد : لا ينبغي لقاضي الجماعة أن يجيز كتاب قاضي أهل البغي ولا شهادته ولا حكمه ، إلا أن يوافق رأيه ، فيستأنف القضاء فيه (١).
١٤ ـ لا يجوز أن ينسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به ، إذا كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوا وأرادوا الله عزوجل ، وهم كلهم لنا أئمة ، وقد أمرنا بالكف عما شجر بينهم ، وألا نذكرهم إلا بخير ، لحرمة الصحبة ولنهي النبي صلىاللهعليهوسلم عن سبّهم ، وأن الله غفر لهم ، وأخبر بالرضا عنهم. وقد سئل بعضهم عن الدماء التي أريقت فيما بينهم فقال : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ ، وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ ، وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) [البقرة ٢ / ١٣٤]. وسئل بعضهم عنها أيضا فقال : «تلك دماء قد طهّر الله منها يدي ، فلا أخضّب بها لساني» أي
__________________
(١) أحكام القرآن للجصاص : ٣ / ٤٠٣