وهذا اعتراف بالحقيقة ، كما قال الشيطان في آية أخرى : (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ : إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ ، وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ، وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ ، فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ، فَلا تَلُومُونِي ، وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ، ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ، إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ، إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [إبراهيم ١٤ / ٢٢].
(قالَ : لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ ، وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) أي قال الرب عزوجل لهما ـ للكافر وقرينه الشيطان : لا تتخاصموا ولا تتجادلوا عندي في موقف الحساب ، فإني تقدمت إليكم في الدنيا بالإنذار والوعيد ، وأعذرت إليكم على ألسنة الرسل ، وأنزلت الكتب ، وقامت عليكم الحجج والبراهين ، والمراد أن اعتذاركم الآن غير نافع لدي.
وأضاف الله تعالى برد آخر قائلا :
(ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ ، وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) أي قضيت ما أنا قاض ، ولا يغير حكمي وقضائي ، ولا خلف لوعدي ، بل هو كائن لا محالة ، وقد قضيت عليكم بالعذاب بسبب كفركم ، فلا تبديل له ، ولا أعذب أحدا ظلما بغير جرم اجترمه أو ذنب اقترفه أو أذنبه بعد قيام الحجة عليه.
ثم أكد الله تعالى حلول العذاب في جهنم قائلا :
(يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ : هَلِ امْتَلَأْتِ؟ وَتَقُولُ : هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟) أي اذكر يا محمد لقومك وأنذرهم حين يقول الله تعالى لجهنم : هل امتلأت بالأفواج من الجنّة والناس؟ فتنطق جهنم وتجيبه قائلة : هل بقي شيء من زيادة تزيدونني بها؟ والمراد أنها اكتفت وامتلأت بما ألقي فيها ، أي لا أسع أكثر من ذلك فإني قد