وإذا تخيلت السماء تغيّر لونه ، وخرج ودخل ، وأقبل وأدبر ، فإذا أمطرت سرّي عنه ، فعرفت ذلك عائشة رضياللهعنها ، فسألته ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لعله يا عائشة كما قال قوم عاد : (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا : هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا)» والاختيال : أن يخال في السماء المطر.
وأخرج مسلم أيضا عن ابن عباس أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «نصرت بالصّبا ، وأهلكت عاد بالدّبور» والصبا : ريح الشمال ، والدبور : ريح الجنوب.
وبعد تخويف كفار مكة وتهديدهم ووعيدهم ، وصف الله تعالى قوة عاد قائلا :
(وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ ، وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً ، فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ) أي ولقد مكنا قوم عاد والأمم السالفة في الدنيا من الأموال والأولاد وقوة الأبدان وطول العمر بمقدار لم نجعل لكم مثله ولا قريبا منه ، فقد كانوا أشد منكم قوة يا أهل مكة ، وأكثر أموالا وأولادا ، وأعز جانبا وأمنع سلطانا وتسلطا ، كما قال تعالى : (كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ ، وَأَشَدَّ قُوَّةً ، وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) [غافر ٤٠ / ٨٢].
وإنهم أعرضوا عن قبول الحجة والهداية ، بالرغم مما أعطاهم الله من الحواس التي بها تدرك الأدلة ، فما نفعهم ما أعطاهم الله من مفاتيح المعرفة والتذكر ، ولم يتوصلوا بها إلى التوحيد وصحة الوعد والوعيد ، ولم يستعملوا قدرات السمع والبصر والفؤاد في الخير وما خلقت له من شكر المنعم.
ثم ذكر الله تعالى علة عدم انتفاعهم بحواسهم قائلا :
(إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ ، وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي لم يغن عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم لأجل أنهم كانوا يجحدون بآيات الله ، وأحاط بهم العذاب الذي كانوا يستعجلونه بطريق الاستهزاء ، حيث قالوا : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا).