فقال : هي إلى سبع مائة أقرب منها إلى سبع ، غير أنه لا كبيرة مع الاستغفار ، ولا صغيرة مع الإصرار.
ثم فتح الله تعالى باب الأمل ومنع اليأس بقوله :
(إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) أي إن رحمة الله وسعت كل شيء ، ومغفرته تسع الذنوب كلها لمن تاب منها ، كما قال تعالى : (قُلْ : يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ، إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر ٣٩ / ٥٣].
ثم أكد الله تعالى علمه بالأشياء كلها ، فقال :
(هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ، وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) أي إن الله بصير بكم ، عليم بأحوالكم وأفعالكم وأقوالكم التي ستصدر منكم ، حين ابتدأ خلقكم بخلق أبيكم آدم من التراب ، واستخرج ذريته من صلبه ، وحين صوركم أجنة في أرحام أمهاتكم ، وتعهدكم بالنمو والتكوين في أطوار مختلفة. والجنين : هو الولد ما دام في البطن ، وفائدة قوله : (فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) التنبيه على كمال العلم والقدرة ، فإن بطن الأم في غاية الظلمة ، ومن علم بحال الجنين فيها لا يخفى عليه ما ظهر من حال العباد.
(فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ، هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) أي لا تمدحوا أنفسكم ، ولا تبرّئوها عن الآثام ، ولا تثنوا عليها بإعجاب أو رياء ، ولا تدّعوا الطهارة عن المعاصي ، بل احمدوا الله على الطاعة ، واحذروا المعصية ، فالله هو العليم بمن اتقى المعاصي.
ونظير الآية قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ ، بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ ، وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) [النساء ٤ / ٤٩].