والدخول في الإسلام ، بالرغم من سماع ما أنزل ، وظن أن غيره يتحمل عنه أوزاره ، مع أن جميع الشرائع كشريعة إبراهيم وموسى تقرر مبدأ المسؤولية الشخصية أو الفردية ، وأن لا تتحمل نفس آثمة وزر أو ذنب نفس أخرى ، وأن ليس لكل إنسان إلا سعيه بالخير.
التفسير والبيان :
ذمّ الله تعالى ووبخ كل من تولى عن طاعة الله ، فقال :
(أَفَرَأَيْتَ (١) الَّذِي تَوَلَّى ، وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى ، أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى) أي أعلمت وأخبرت شأن الذي تولى عن الخير ، وأعرض عن اتباع الحق ، وأعطى قليلا من المال ، ثم أحجم عن العطاء في سبيل أن يتحمل عنه غيره وزره ، أو كما قال ابن عباس : أطاع قليلا ثم قطعه ، أفعند هذا الكافر الذي آثر الكفر على الإيمان علم ما غاب عنه من أمر العذاب ، فهو يعلم أن صاحبه يتحمل عنه أوزاره يوم القيامة؟ ليس الأمر كما يظن.
وهذا كقوله تعالى : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى ، وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) [القيامة ٧٥ / ٣١ ـ ٣٢] ثم ذكّره تعالى بما أجمعت عليه الشرائع من أن المسؤولية شخصية ، فقال : (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى ، وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) أي. بل أنّه لم يخبر بما جاء في أسفار التوراة ، وصحف إبراهيم الذي تمم وأكمل ما أمر به ، وأدى الرسالة على الوجه الأكمل ، كما جاء في آية أخرى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ، قالَ : إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) [البقرة ٢ / ١٢٤] فإنه قام بجميع الأوامر ، وترك جميع النواهي ، وبلّغ الرسالة على التمام والكمال ، فاستحق بهذا أن يكون للناس إماما يقتدى به في جميع أحواله وأقواله وأفعاله.
__________________
(١) أَفَرَأَيْتَ : معناها المراد : أخبرني ، ومفعولها الأول : الَّذِي ، والثاني : جملة الاستفهام.