واكتفى بذكر صحف إبراهيم وموسى ، لأن المشركين يدّعون أنهم على ملة إبراهيم ، وأهل الكتاب يتمسكون بالتوراة ، وإنما قدم هنا صحف موسى خلافا للترتيب الزمني ، ولما جاء في سورة الأعلى : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى ، صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) [١٨ ـ ١٩] ، لأن صحف إبراهيم كانت بعيدة ، وكانت المواعظ فيها غير مشهورة فيما بينهم كصحف موسى التي هي أقرب وأشهر وأكثر.
ثم أوضح الله تعالى ما تقرر في صحف موسى وإبراهيم ، فقال :
١ ـ (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي لا تؤخذ نفس بذنب غيرها ، فكل نفس ارتكبت جرما من كفر أو أي ذنب ، فعليها وحدها وزرها ، لا يحمله عنها أحد ، وهذا مبدأ المسؤولية الفردية أو الشخصية أو لا يؤاخذ امرؤ بذنب غيره ، كما جاء في آيات أخرى منها : (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) [فاطر ٣٥ / ١٨].
٢ ـ (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) أي ليس له إلا أجر سعيه وجزاء عمله ، فلا يستحق أجرا عن عمل لم يعمله ، وهذا المبدأ وهو ألا يثاب أو يكافأ امرؤ إلا بعمله يقابل المبدأ السابق ، فكما لا يتحمل أحد مسئولية أو وزر غيره ، كذلك ليس له من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه. والمراد من الآية بيان ثواب الأعمال الصالحة وكل عمل ، فالخير مثاب عليه ، والشر معاقب به. وعبر بصيغة الماضي في قوله : (إِلَّا ما سَعى) لزيادة الحث على العمل الصالح.
ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي رحمهالله أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى ، لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم. والمعتمد في المذاهب الأربعة أن ثواب القراءة يصل إلى الأموات ، لأنه هبة ودعاء بالقرآن الذي تتنزل الرحمات عند تلاوته ، وقد ثبت في السنة النبوية وصول الدعاء والصدقة للميت ، وذلك مجمع عليه ، روى مسلم في صحيحة والبخاري في الأدب وأصحاب السنن إلا ابن