ثم وبخهم الله على إصرارهم على الكفر وعلى ضلالهم ، فقال : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ) أي ولقد جاء كفار مكة وأمثالهم من أخبار الأمم المكذبة رسلها ، وما حل بهم من العقاب والنكال في هذا القرآن ما فيه كفاية لكفهم عن السوء ، وزجر وردع ووعظ عما هم فيه من الشرك والوثنية والعصيان والتمادي في التكذيب.
ووصف الله تعالى تلك الأنباء بقوله :
(حِكْمَةٌ بالِغَةٌ ، فَما تُغْنِ النُّذُرُ) أي إن هذه الأنباء في القرآن وما تضمنته من عبرة وعظة وهداية حكمة بالغة كاملة قد بلغت منتهى البيان ، ليس فيها نقص ولا خلل ، ولا تفيد النذر أو الإنذارات شيئا للمعاندين ، فإن عنادهم يصرفهم عن الحق ، فتكون «ما» نافية ، ويصح أن تكون استفهاما إنكاريا ، بمعنى أي غناء أو شيء تغني النذر أي الإنذارات لهؤلاء الكفار الطغاة؟ فإنك أيها النّبي أتيت بما عليك من الإخبار بالنبوة مقرونة بالآية الباهرة ، وأنذرتهم بأحوال الأقدمين ، فلم يفدهم شيئا.
ونظير الآية قوله تعالى : (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) [يونس ١٠ / ١٠١].
ثم أمر الله نبيه بالإعراض عن مجادلتهم بعدئذ ، فقال :
(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ، يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) أي أعرض عنهم يا محمد ، ولا تتعب نفسك بدعوتهم ، حيث لم يؤثر فيهم الإنذار ، وانتظرهم واذكر يا محمد ذلك اليوم الذي يدعو فيه إسرافيل إلى شيء فظيع تنكره نفوسهم ، استعظاما له ، إذ لا عهد لهم بمثله أبدا ، وهو موقف الحساب الرهيب وما فيه من البلاء والأهوال.