وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : لما نزلت : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) قال عمر : أي جمع يهزم؟ أي جمع يغلب؟ قال عمر : فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يثب في الدرع ، وهو يقول : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ ، وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) فعرفت تأويلها يومئذ.
ثم بيّن الله تعالى أن الأمر غير مقتصر على انهزامهم وإدبارهم ، بل الأمر أعظم منه ، فإن الساعة موعدهم ، وسيلقون في الآخرة عذابا أشد إن بقوا مصرين على الكفر ، فقال :
(بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ ، وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) أي بل إن القيامة موعد عذابهم الأخروي ، وليس هذا العذاب الكائن في الدنيا بالقتل والأسر والقهر هو تمام ما وعدوا به من العذاب ، وإنما هو مقدمة من مقدماته ، وعذاب القيامة أعظم وأنكى ، وأشد مرارة من عذاب الدنيا ، كما أنه عذاب دائم خالد.
قال الرازي : هذا قول أكثر المفسرين ، والظاهر أن الإنذار بالساعة لكل من تقدم ، كأنه قال : أهلكنا الذين كفروا من قبلك ، وأصرّوا ، وقوم محمد صلىاللهعليهوسلم ليسوا بخير منهم ، فيصيبهم ما أصابهم إن أصروا ، ثم إن عذاب الدنيا ليس لإتمام المجازاة ، فإتمام المجازاة بالأليم الدائم (١).
ثم أخبر الله تعالى عن نوع العذاب الأخروي ، فقال :
(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) أي إن المشركين بالله الذين كذبوا رسله وكل كافر ومبتدع كافر ببدعته من سائر الفرق في حيرة وتخبط في الدنيا وبعد عن الحق والصراط المستقيم ، وفي نيران مستعرة في جهنم يوم القيامة.
__________________
(١) تفسير الرازي : ٢٩ / ٦٨