ولا إفلات من هذا الجزاء ، فقال تعالى :
(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، فَانْفُذُوا ، لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ) أي أيها الإنس والجن ، إن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السموات والأرض ونواحيهما هربا من قضاء الله وقدره ، وأمره وسلطانه ، فاخرجوا منها ، وخلصوا أنفسكم ، لا تقدرون على التخلص والنفوذ من حكمه إلا بقوة وقهر ، ولا قوة لكم على ذلك ولا قدرة ، فلا يمكنكم الهرب. والمعشر : الجماعة العظيمة ، والأدق أن المعشر : العدد الكامل الكثير الذي لا عدد بعده إلا بابتداء فيه.
ونظير الآية : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ ، جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها ، وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ، ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ ، كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً ، أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ ، هُمْ فِيها خالِدُونَ) [يونس ١٠ / ٢٧].
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) بأي نعم الله تكذبان أيها الثقلان؟ ومن ذلك تقديم التنبيه والتحذير ، فذلك يرغّب المحسن ، ويرهب المسيء ، والله قادر على عقاب الجميع ، فلا يفلت أحد ، كما أنه تعالى يعفو مع كمال القدرة ، وتلك نعمة أخرى. وإنما جمع (اسْتَطَعْتُمْ) فهو لبيان عجزهم وعظمة ملك الله تعالى.
(يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ ، وَنُحاسٌ ، فَلا تَنْتَصِرانِ) أي لو خرجتم يسلّط عليكم أيها الإنس والجن سيل من النار أو لهب خالص لا دخان معه من النار ، ودخان مع النار ، أو يصب على رؤوسكم نحاس مذاب ، فلا تقدرون على الامتناع من عذاب الله. فالنحاس : إما الدخان الذي لا لهب له ، أو النحاس المذاب الذي يصب على الرؤوس. وإنما ثنى ضمير (عَلَيْكُما) فهو لبيان الإرسال على النوعين ، لا على كل واحد منهما ، ولا على جميع الإنس والجن. وكذلك