لوقوعها صارف ولا دافع ، ولا بد أن تكون ، ولا يكون عند وقوعها تكذيب أصلا ، ولا توجد نفس كاذبة منكرة لها كما كان الحال في الدنيا. والواقعة : اسم للقيامة كالآزفة والحاقة وغيرها ، سميت بذلك لتحقق كونها ووجودها ، كما جاء في آية أخرى : (فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) [الحاقة ٦٩ / ١٥]. وقوله : (لَيْسَ لِوَقْعَتِها) إشارة إلى أنها تقع دفعة واحدة.
(خافِضَةٌ رافِعَةٌ) تخفض أقواما كانوا في الدنيا مرفوعين ، فتجعلهم في الجحيم ، وهم الكفرة والفسقة ، وترفع أقواما كانوا في الدنيا مغمورين ، فتجعلهم في الجنة ، وهم أهل الإيمان ، لأن شأن الوقائع العظيمة إحداث تغيرات في موازين المجتمع ، فترفع وتخفض.
(إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) أي إذا زلزلت وحركت الأرض تحريكا شديدا ، فتهتز وترتج وتضطرب ، حتى ينهدم كل ما عليها من بناء وجبال. وهذا كقوله تعالى : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) [الزلزال ٩٩ / ١] وقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) [الحج ٢٢ / ١].
(وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا) أي فتتت الجبال فتا ، وصارت كما قال تعالى : (كَثِيباً مَهِيلاً) [المزمل ٧٣ / ١٤].
(فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) أي صارت غبارا متفرقا منتشرا ، كالهباء الذي يطير من النار ، أو الذي ذرته الريح وبثته.
وهذه الآية كأخواتها الدالة على زوال الجبال عن أماكنها يوم القيامة ، وذهابها وتسييرها ، وصيرورتها كالعهن المنفوش ، بسبب نسفها من ربك.
(وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) أي وأصبحتم يوم القيامة منقسمين إلى ثلاثة أصناف : أهل اليمين أصحاب الجنة ، وأهل اليسار أهل النار ، والسابقون بين يدي الله عزوجل المقربون : وهم الرسل والأنبياء والصديقون والشهداء.