(لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلاً : سَلاماً سَلاماً) تأكيد المدح بما يشبه الذم ، لأن السلام ليس من جنس اللغو والتأثيم ، ثم أثنى عليهم بإفشاء السلام.
المفردات اللغوية :
(ثُلَّةٌ) جماعة كثيرة أو قليلة. (مِنَ الْأَوَّلِينَ) من الأمم الماضية. (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، ولا يخالف ذلك قوله صلىاللهعليهوسلم : «إن أمتي يكثرون سائر الأمم» (١) لجواز أن يكون سابقو سائر الأمم أكثر من سابقي هذه الأمة ، وتابعو هذه الأمة أكثر من تابعيهم ، ولا يرده قوله تعالى في أصحاب اليمين : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) لأن كثرة الفريقين لا تنافي أكثرية أحدهما.
(مَوْضُونَةٍ) منسوجة بإحكام ، أو بقضبان الذهب والجواهر. (وِلْدانٌ) صبيان جمع ولد. (مُخَلَّدُونَ) باقون على صفتهم أبدا ، لا يهرمون كأولاد الدنيا. (بِأَكْوابٍ) آنية لا عرى لها ولا خراطيم ، جمع كوب. (وَأَبارِيقَ) أوان لها عرى وخراطيم ، جمع إبريق. (وَكَأْسٍ) إناء شرب الخمر. (مِنْ مَعِينٍ) أي من خمر جارية من منبع لا ينقطع أبدا.
(لا يُصَدَّعُونَ عَنْها) لا يحصل لهم منها صداع كما يحدث ذلك من خمر الدنيا.
(وَلا يُنْزِفُونَ) ولا تذهب عقولهم بالسكر منها ، بخلاف خمر الدنيا ، ويقرأ بفتح الزاي وكسرها ، من نزف الشارب وأنزف : إذا ذهب عقله ، ويقال للسكران : نزيف ومنزوف. (يَتَخَيَّرُونَ) يختارون ويرضون.
(وَحُورٌ عِينٌ) أي ولهم حور أي نساء شديدات سواد العيون وبياضها ، جمع حوراء وأحور ، و (عِينٌ) ضخام الأعين واسعات ، حسان ، جمع أعين وعيناء. (الْمَكْنُونِ) المصون أو المستور الذي لم تمسه الأيدي ، فهو مصون عما يضرّ به في الصفاء والنقاء. (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) يفعل ذلك كله بهم جزاء بأعمالهم. (لا يَسْمَعُونَ فِيها) في الجنة. (لَغْواً) فاحشا أو ساقطا من القول. (وَلا تَأْثِيماً) ما يؤثم. (إِلَّا قِيلاً : سَلاماً سَلاماً) أي لكن قولا : سلاما سلاما أي يقولون : سلّمك الله سلاما. وتكرار (سَلاماً) للدلالة على فشّو السلام بينهم.
سبب النزول :
نزول الآية (١٣ و٣٩):
(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ..) : أخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم بسند فيه من لا يعرف عن أبي هريرة قال : لما نزلت : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ
__________________
(١) تفسير الألوسي : ٢٧ / ١٣٤