وظل دائم باق لا يزول ، وماء منصبّ يجري بالليل والنهار أينما شاؤوا ، لا تعب فيه ، وفاكهة متنوعة وكثيرة ، لا تنقطع أبدا في وقت من الأوقات ، كما تنقطع فواكه الدنيا في بعض الأوقات ، ولا تمتنع على من أرادها في أي وقت ، على أي صفة ، بل هي معدّة لمن أرادها. أما فاكهة السابقين فإنهم يتخيرونها تخيرا.
ويلاحظ أنه قدم الشجر المورق على الشجر المثمر ، على طريقة الارتقاء من نعمة إلى نعمة فوقها ، والفواكه أتم نعمة ، وذكر الأشجار المورقة بأنفسها وذكر أشجار الفاكهة بثمارها ، لأن حسن الأوراق عند كونها على الشجر ، وأما الثمار فهي في أنفسها مطلوبة ، سواء كانت عليها أو مقطوعة.
ووصف الفاكهة بالكثرة لا بالطيب واللذة ، لأن طيبها معروف بالطبيعة ، والمقصود بيان الكثرة والتنوع لإفادة التنعم الواسع ، ووصفها بقوله : (لا مَقْطُوعَةٍ) للدلالة على أنها ليست كفواكه الدنيا ، فإنها تنقطع في أكثر الأوقات والأزمان ، وفي كثير من المواضع والأماكن ، كما أنه وصفها بكونها غير ممنوعة بثمن أو عوض أو غيره ، خلافا لفاكهة الدنيا التي تمنع عن البعض ، وقدم كونها غير مقطوعة على المنع ، لأن القطع للموجود ، والمنع بعد الوجود ، لأنها توجد أولا ، ثم تمنع.
ثم ذكر الله تعالى وسائل التمتع في المجالس ، فقال :
(وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) أي وأهل اليمين يجلسون وينامون على فرش مرفوعة على الأسرّة ، ورفيعة القدر والثمن. والفرش جمع فراش : وهو ما يفترش للجلوس عليه والنوم. وقيل : الفرش مجاز عن النساء ، والمعنى : ونساء مرتفعات الأقدار في حسنهن وكمالهن.
ثم ذكر تمتعهم بالنساء ، فقال :
(إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً ، فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً ، عُرُباً أَتْراباً ، لِأَصْحابِ الْيَمِينِ)