التفسير والبيان :
(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ، إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ ، فَقالُوا : سَلاماً ، قالَ : سَلامٌ ، قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) أي هل بلغك خبر قصة إبراهيم عليهالسلام مع ضيوفه الملائكة المكرّمين عند الله سبحانه الذين جاؤوا إليه في صورة بني آدم ، وهم في طريقهم إلى قوم لوط ، فدخلوا عليه وسلموا بقولهم : سلاما ، أي نسلم عليك سلاما ، فأجابهم بأحسن من تحيتهم بما يدل على الثبات ، فقال : سلام عليكم ، إنكم قوم لا أعرفكم من قبل ، فمن أنتم؟ وقيل : إنه قال دلك في نفسه ، ولم يخاطبهم به ، لأن هؤلاء الملائكة وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل قدموا عليه في صورة شبان حسان عليهم مهابة عظيمة.
ابتدأ الله تعالى بالاستفهام التقريري تفخيما لشأن الحديث ، ولفتا للنظر والانتباه ، مع تهديد العرب ووعيدهم ووعظهم ، وتسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم على ما يجري عليه من قومه ، وأطلق عليهم صفة الضيف حيث أضافهم إبراهيم عليهالسلام ، والضيافة سنة ، وذهب أحمد وجماعة إلى وجوب الضيافة للنزيل ، وحيّوه بصيغة (سَلاماً) التي هي دعاء ، فردّ عليهم الخليل مختارا الأفضل من التسليم ، فقال : (سَلامٌ) لأن الرفع أقوى وأثبت من النصب ، لدلالته على الثبات والدوام. والظاهر الذي يناسب حال إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه لم يقل لهم : (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) ولم يخاطبهم بذلك ، بل أسرّها في نفسه ، فقال : هؤلاء قوم منكرون ، أو قال ذلك لمن معه من أتباعه وخدمه وجلسائه ، لأن التصريح بمثل هذا فيه إيحاش للضيف وعدم إيناس.
(فَراغَ إِلى أَهْلِهِ ، فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ ، فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ ، قالَ : أَلا تَأْكُلُونَ؟) أي عدل أو ذهب إلى أهله خفية من ضيوفه في سرعة ، فقدم إليهم عجلا سمينا مشويا ، كما في سورة هود : (فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ)