تسمعوا قول الله تعالى : (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ؟). وهذا نهي إرشاد وأدب ، لا نهي حظر وإيجاب.
والمستحب لكل من يلقي البذر في الأرض أن يقرأ بعد الاستعاذة : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ) الآية ، ثم يقول : بل الله الزارع والمنبت والمبلغ ، اللهم صل على محمد ، وارزقنا ثمره ، وجنّبنا ضرره ، واجعلنا لأنعمك من الشاكرين ، ولآلائك من الذاكرين ، وبارك لنا فيه يا ربّ العالمين. ويقال : إن هذا القول أمان لذلك الزرع من جميع الآفات : الدود والجراد وغير ذلك.
والله سبحانه قادر أن يجعل الزرع متكسرا هشيما هالكا لا ينتفع به في مطعم ولا زرع ، وفي هذا تنبيه على أمرين : أحدهما ـ ما أولاهم به من النّعم في زرعهم ، إذ لم يجعله حطاما ليشكروه ، الثاني ـ ليعتبروا بذلك في أنفسهم ، فكما أنه يجعل الزرع حطاما إذا شاء ، كذلك يهلكهم إذا شاء ليتعظوا وينزجروا.
وإذا جعله الله حطاما لم يجد الإنسان سبيلا آخر للتعويض ، فيعجب من ذهاب الزرع ، ويندم مما حلّ به ، ويقول : إنني لخاسر مغرم ، أو لمعذب هالك ، محروم مما طلبت من الريع والربح.
ثم ذكر الله تعالى المشروب الذي لا بدّ منه للحياة ، والتابع للمطعوم ، فهو نعمة عظمي ، والله هو الذي أنزله من السحاب ، لإحياء النفوس ، وإرواء العطش ، وإذا عرف أن الله أنزله ، فلم لا يشكره العباد بإخلاص العبادة له ، ولم ينكرون قدرته على الإعادة؟
والله قادر على أن يجعله ملحا شديد الملوحة ، لا ينتفع به في شرب ولا زرع ولا غيرهما ، فهلا أيها البشر تشكرون الله الذي صنع ذلك لكم! فهذا دليل آخر على قدرة الله ، ونعمة أخرى.