في الشيء المعنوي على سبيل المجاز ، الذي صار لشهرته حقيقة عرفية. وأصله الادهان : أي جعل الأديم (الجلد) مدهونا بمادة زيتية ليلين لينا حسيا. (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ) أي شكر رزقكم ، وهو المطر. (أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) بمانحه وساقيه حيث تنسبون المطر إلى الأنواء ، وتقولون : مطرنا بنوء كذا. والنوء : سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر ، وطلوع رقيبه من المشرق ، يقابله من ساعته ، في كل ثلاثة عشر يوما ، ما خلا الجبهة ، فإن لها أربعة عشر يوما ، وكانت العرب تضيف الأمطار والرّياح والحرّ والبرد إلى الساقط منها ، وقيل : إلى الطالع منها ، لأنه في سلطانه ، وجمعه : أنواء.
(فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) أي فلا إذا وصلت الروح وقت النزع الحلقوم ، أي أعلى مجرى الطعام. (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) وأنتم يا من يكون حول المحتضر تنظرون إليه ، والواو للحال. (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) أي ونحن أعلم بحال المحتضر منكم ، ولكن لا تعلمون ذلك ، أو لا تدركون كنه ما يجري عليه ، عبر عن العلم بالقرب الذي هو أقوى أسباب الاطلاع. (فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ) أي فهلا إن كنتم غير مجزيين يوم القيامة ، أي غير مبعوثين بزعمكم. (تَرْجِعُونَها) تردون الروح إلى الجسد ، بعد بلوغ الحلقوم. (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فيما زعمتم. والمعنى : هلا ترجعون الروح إلى مقرّها إن نفيتم البعث ، صادقين في نفيه ، بأن تزيلوا الموت الذي يعقبه البعث. ولولا الثانية تأكيد للأولى. وإذا ظرف لفعل : (تَرْجِعُونَها).
(فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) أي إن كان المتوفى من السابقين. (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) فله استراحة ، ورزق حسن طيب ، وجنة ذات تنعم. (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ ، فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) أي وإن كان من أهل اليمين ، فسلام من العذاب وتحية لك يا صاحب اليمين من إخوانك أصحاب اليمين ، من جهة أنه منهم.
(وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ) أي من أصحاب الشمال الذين كذبوا بالله ورسله وضلوا عن الهدى ، وإنما وصفهم بأفعالهم زجرا عنها ، وإشعار بسبب وعيدهم. (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) أي فالنزل المعدّ لك أول قدومك : ماء شديد الحرارة ، والاصطلاء بنار الجحيم وإذاقة حرها. (إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) أي إن هذا المذكور في السورة لهو حق الخبر اليقين ، أي الحق الثابت الذي لا شك فيه. (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) فنزهه بذكر اسمه عما لا يليق بعظمة شأنه.