التفسير والبيان :
(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي نزّه الله تعالى عن كل نقص وعما لا يليق به كل شيء في السموات والأرض من الجماد والنبات والإنسان والحيوان ، تعظيما له وإقرارا بربوبيته ، سواء بلسان المقال ، كتسبيح الملائكة والإنس والجن ، أو بلسان الحال ، كتسبيح غيرهم ، فإن كل موجود يدل على الصانع ، كما قال تعالى : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ، وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ، إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) [الإسراء ١٧ / ٤٤] فتسبيح العقلاء : تنزيه وتقديس وعبادة ، وتسبيح غيرهم إقرار واعتراف بالصانع.
والله هو القوي القادر الغالب الذي خضع له كل شيء ، ولا ينازعه أحد في ملكه ، الحكيم في تدبيره وأمره وخلقه وشرعه ، يتصرف على وفق الحكمة والصواب. وهذه الجملة مستأنفة بمنزلة التوكيد المعنوي لما قبلها ، تدل على أنه تعالى مبدأ التسبيح مع الاستغناء عنه.
(لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، يُحْيِي وَيُمِيتُ ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي لله تعالى الملك المطلق للسموات والأرض ، يتصرف فيهما وحده ، وله السلطان التام ، وهو نافذ الأمر ، فلا ينفذ غير تصرفه ، وهو المالك المتصرف في خلقه ، فيحيي من يشاء ، ويميت من يشاء ، ويعطي من يشاء ما يشاء ، وهو تام القدرة ، لا يعجزه شيء ، كائنا ما كان ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
(هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ، وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أي الله هو الأول قبل كل شيء ، قيل ، وهو غير حديث : «كنت كنزا مخفيا ، فأردت أن أعرف ، فخلقت الخلق ، فبي عرفوني» وهو الآخر الباقي بعد كل شيء ، بعد فناء خلقه ، كما قال سبحانه : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص ٢٨ / ٨٨].