(وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ ، وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ ، وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ؟) أي ، وأيّ شيء يمنعكم عن الإيمان ، والرسول معكم يدعوكم إلى ذلك ، ويبين لكم الحجج والبراهين على صحة ما جاءكم به ، بتلاوة القرآن المشتمل على الدلائل الواضحة ، وقد أخذ الله ميثاقكم بأن تؤمنوا في عالم الذر حين أخرجكم من ظهر أبيكم آدم ، وبما أقام لكم في الكون والآفاق والأنفس من الأدلة الدالة على التوحيد ووجوب الإيمان ، وكذا ما ترشد إليه العقول السليمة ، إن كنتم مريدين الإيمان ، فبادروا إليه. فهذا توبيخ على ترك الإيمان بشرطين : أحدهما ـ أن يدعو الرسول صلىاللهعليهوسلم ، والثاني ـ أنه أخذ الميثاق عليهم.
أخرج البخاري في صحيحة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال يوما لأصحابه : «أي المؤمنين أعجب إليكم أيمانا؟ قالوا : الملائكة ، قال : وما لهم لا يؤمنون ، وهم عند ربهم؟ قالوا : فالأنبياء ، قال : وما لهم لا يؤمنون ، والوحي ينزل عليهم ، قالوا : فنحن ، قال : وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟ ولكن أعجب المؤمنين إيمانا قوم يجيئون بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بما فيها».
ثم أوضح الله تعالى الغاية من إنزال القرآن لقطع عذرهم ، فقال :
(هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ، وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) أي إن الله أراد بإنزال الآيات البينات الواضحات التي هي القرآن وغيره من المعجزات أن يخرجكم من ظلمات الجهل والكفر والآراء المتضادة ، إلى نور الهدى واليقين والإيمان ، وإن الله لكثير الرأفة والرحمة بعباده ، حيث أنزل الكتب ، وبعث الرسل ، لهدايتهم ، وأزال الموانع والشّبه ، وأزاح العلل.
وبعد أن أمرهم بالإيمان والإنفاق ، وحثهم عليهما ، ووبخهم على ترك الإيمان ، وبخهم على ترك الإنفاق ، فقال :