(قِيلَ : ارْجِعُوا وَراءَكُمْ ، فَالْتَمِسُوا نُوراً) أي تقول لهم الملائكة أو المؤمنون : ارجعوا إلى الدنيا ، فالتمسوا النور بما التمسناه به من الإيمان والأعمال الصالحة. وفي هذا تهكم بهم واستهزاء بطلبهم ، كما كانوا يستهزئون بالمؤمنين في الدنيا ، حين كانوا يقولون : آمنا ، وما هم بمؤمنين.
ثم يحسم الله الموقف وهذه المحاورة بقوله :
(فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ ، لَهُ بابٌ ، باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ ، وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) أي فضرب بين المؤمنين وبين المنافقين حاجز ، باطن ذلك السور ، وهو الجانب الذي يلي أهل الجنة ، فيه الرحمة ، وهي نعم الجنة ، والجانب الذي يلي أهل النار ، من جهته عذاب جهنم.
ثم يذكر الله تعالى حال المنافقين واستغاثاتهم ، فيقول :
(يُنادُونَهُمْ : أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ؟ قالُوا : بَلى ، وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ ، وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ ، حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ ، وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) أي ينادي المنافقون المؤمنين قائلين لهم : ألم نكن معكم في الدار الدنيا ، نوافقكم في أعمالكم ، نشهد معكم الجمعات ، ونصلّي معكم الجماعات في المساجد ، ونقف معكم بعرفات ، ونحضر معكم معارك الجهاد ، ونؤدي معكم سائر الواجبات ، ونعمل بأعمال الإسلام كلها؟
فأجاب المؤمنون المنافقين قائلين : بلى قد كنتم معنا في الظاهر ، ولكنكم فتنتم أنفسكم بالنفاق وإبطان الكفر ، وأهلكتموها باللذات والمعاصي والشهوات ، وأخرتم التوبة ، وتربصتم الدوائر وحوادث الدهر بالمؤمنين ، وبالحق وأهله ، وشككتم في أمر الدين والبعث بعد الموت ، ولم تصدّقوا ما نزل به القرآن ، ولا آمنتم بالمعجزات الظاهرة.