الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ، ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا ، وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) [آل عمران ٣ / ١٤].
وهذا يدل على حقارة الدنيا ، ثم شبهها في سرعة زوالها ، مع قلة جدواها بنبات أنبته الغيث وربّاه إلى أن يتكامل نشوؤه ثم يزول ، فقال :
(كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ، ثُمَّ يَهِيجُ ، فَتَراهُ مُصْفَرًّا ، ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً) أي أن الدنيا مثل مطر ، أعجب الزراع النبات الحاصل به ، ثم يجف وييبس بعد خضرته ، ثم يكون فتاتا هشيما متكسرا متحطما بعد يبسه ، تعصف به الرياح. والكفار هنا : الزّراع ، لأنهم يكفرون البذر في الأرض ، أي يغطونه بالتراب.
ونظير الآية : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ ، فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ ، مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ ، حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ ، وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها ، أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً ، فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) [يونس ١٠ / ٢٤].
ثم حذر من أمرها ورغب فيما فيها من الخير استعدادا للآخرة ، فقال : (وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ ، وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ ، وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) أي وليس في الآخرة الآتية إلا أمران : إما عذاب شديد لأعداء الله ، وإما مغفرة من الله ورضوان لأوليائه وأهل طاعته ، وما الحياة الدنيا إلا مجرد متاع يتمتع به ، وخديعة لم يغتر بها ، ولم يعمل لآخرته ، حتى أعجبته واعتقد أنه لا دار سواها ، ولا معاد وراءها ، مع أنها حقيرة قليلة بالنسبة إلى الدار الآخرة. قال سعيد بن جبير : الدنيا متاع الغرور ، إذا ألهتك عن طلب الآخرة ، فأما إذا دعتك إلى طلب رضوان الله ولقائه ، فنعم المتاع ونعم