والثاني ـ أنهم لم يقوموا بما التزموه مما زعموا أنه قربة يقربهم إلى الله عزوجل.
روى ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا ابن مسعود ، قلت : لبّيك يا رسول الله ، قال : هل علمت أن بني إسرائيل افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة؟ لم ينج منهم إلا ثلاث فرق قامت بين الملوك والجبابرة بعد عيسى ابن مريم عليهالسلام ، فدعت إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم ، فقاتلت الجبابرة ، فقتلت ، فصبرت ، ونجت ، ثم قامت طائفة أخرى لم تكن لها قوة بالقتال ، فقامت بين الملوك والجبابرة ، فدعوا إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم ، فقتلت وقطعت بالمناشير ، وحرقت بالنيران ، فصبرت ونجت ، ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال ، ولم تطق القيام بالقسط ، فلحقت بالجبال ، فتعبدت وترهبت ، وهم الذين ذكر الله تعالى : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) (١).
(فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) أي فأعطينا المؤمنين إيمانا صحيحا ثوابهم الذي يستحقونه بالإيمان ، وكثير من هؤلاء المترهبين فاسقون خارجون عن حدود الله وطاعته ، يأكلون أموال الناس بالباطل ، وسلوكهم منحرف.
روى الحافظ أبو يعلى عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يقول : «لا تشدّدوا على أنفسكم ، فيشدّد عليكم ، فإن قوما شدّدوا على أنفسهم ، فشدّد عليه ، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات ، (رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ)».
__________________
(١) ورواه ابن جرير بلفظ آخر.