٣ ـ أتبع الله سبحانه على آثار تلك الذرية رسلا كثيرين كموسى وإلياس وداود وسليمان ويونس وغيرهم ، وعيسى ابن مريم ، فهو من ذرية إبراهيم من جهة أمه ، وآتاه الله الإنجيل ، وهو الكتاب المنزل عليه.
٤ ـ جعل الله تعالى في قلوب الذين اتبعوا عيسى على دينه ، وهم الحواريون وأتباعهم ، رأفة ورحمة ، أي مودّة ، فكان يوادّ بعضهم بعضا ، والرأفة : اللين ، والرحمة : الشفقة.
وهذا إشارة إلى أنهم أمروا في الإنجيل بالصلح وترك إيذاء الناس ، وألان الله قلوبهم لذلك ، بخلاف اليهود الذين قست قلوبهم ، وحرّفوا الكلمة عن مواضعه. قال مقاتل : المراد من الرأفة والرحمة : أنهم كانوا متوادّين بعضهم مع بعض ، كما وصف الله أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم بذلك في قوله : (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ).
واستدل أهل السنة بقوله : (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ...) على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى ، وكسب للعبد ، لأنه تعالى حكم بأن هذه الأشياء مجعولة لله تعالى ، وحكم بأنهم ابتدعوا تلك الرهبانية.
٥ ـ لقد ابتدع أتباع عيسى الرهبانية (الفعلة المنسوبة إلى الرهبان) من قبل أنفسهم ، ولم يفرضها الله عليهم ولا أمرهم بها ، لكن ابتدعوها ابتغاء رضوان الله ، فما قاموا بها حق القيام ، وتسببوا بالترهب إلى طلب الرياسة مع الناس ، وأكل أموالهم ، كما قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) [التوبة ٩ / ٣٤].
والمراد من الرهبانية كما ذكر الرازي وغيره : ترهبهم في الجبال فارّين من الفتنة في الدين ، مخلصين أنفسهم للعبادة ، ومتحملين كلفا زائدة على العبادات