(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي وأوجدنا من جميع المخلوقات صنفين أو نوعين ضدين أو متقابلين : ذكر وأنثى ، وحلو ومرّ ، وسماء وأرض ، وليل ونهار ، وشمس وقمر ، وبر وبحر ، وضياء وظلام ، وإيمان وكفر ، وموت وحياة ، وخير وشر ، وشقاء وسعادة ، وجنة ونار ، حتى الحيوانات والنباتات ، لذا قال تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي خلقنا ذلك على هذا النحو لتعلموا وتتذكروا أن الخالق واحد لا شريك له ، وتستدلوا بذلك على التوحيد.
ثم رتب على دليل الوحدانية والقدرة أمرين : اللجوء إلى الله وتجنب الشرك إتماما للتوحيد ، فقال :
ـ (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ ، إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي الجؤوا إلى الله ، واعتمدوا عليه في أموركم كلها ، وتوبوا من ذنوبكم ، وأطيعوا أوامره ، فإني لكم منذر بيّن الإنذار ، ومخوّف من عذابه وعقابه. وهذا أمر بالإقبال على الله ، والإعراض عما سواه. وقوله : (فَفِرُّوا) ينبئ عن سرعة الإهلاك ، كأنه يقول : الإهلاك والعذاب أسرع وأقرب من أن يحتمل الحال الإبطاء في الرجوع ، فافزعوا إلى الله سريعا وفروا.
ـ (وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ ، إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي لا تشركوا بالله شيئا آخر سواه ، فإن الإله المعبود بحق هو الذي لا تصلح العبادة لغيره ، ثم كرر التذكير بمهمة الإنذار البيّنة للنبي صلىاللهعليهوسلم للتأكيد.
فقه الحياة أو الأحكام :
أرشدت الآيات إلى ما يأتي :
١ ـ إثبات وحدانية الله وقدرته بآيات الكون الكبرى ، من خلق السماء التي تدل بكواكبها ونجومها وشمسها وقمرها وتوابعهما على أن الإله الصانع قادر على الكمال ، وكذا خلق الأرض الممهدة المبسوطة الممدودة كالفراش بما فيها من خيرات