جدالهم ، فقد فعلت ما أمرك الله به ، وبلّغت رسالته ، وما أنت بملوم عند الله بعد هذا ، لأنك قد أدّيت ما عليك ، وما على الرسول إلا البلاغ ، وعلى الله الحساب.
(وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) أي ولكن تابع التذكير ، وعظ بالقرآن من آمن به من قومك ، فإن التذكير ينفعهم ، أو إنما تنتفع بالذكرى القلوب المؤمنة المستعدة للهداية. والمراد أن الإعراض عن طائفة معلومة لعدم قابليتهم الهدى ، لا يوجب ترك البعض الآخر.
ثم بيّن الله تعالى الغاية من خلق الثقلين : وهي العبادة ، مع أن المشركين كذبوا الرسول ، وتركوا عبادة الخالق ، فقال :
(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) أي ما خلقت الثقلين : الإنس والجن إلا للعبادة ، ولمعرفتي ، لا لاحتياجي إليهم كما قال تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [التوبة ٩ / ٣١] وكما ورد : «كنت كنزا مخفيا فأردت أن أعرف ، فخلقت الخلق ، فبي عرفوني» (١). والعبادة في اللغة : الذل والخضوع والانقياد. وقال أهل السنة : إن العبادة المعرفة والإخلاص له في ذلك ، فإن المعرفة أيضا غاية صحيحة.
وقال مجاهد : المعنى إلا لآمرهم بعبادتي وأنهاهم. وهذا كلام جديد مستأنف لتقرير وتأكيد الأمر بالتذكر ، فإن خلقهم للعبادة يستدعي دوام التذكير بها. وحكمة تقديم الجن على الإنس أن عبادتهم سرية لا يدخلها الرياء كعبادة الإنس.
ثم ذكر الله تعالى سمو الغاية من الخلق ، فقال :
(ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ ، وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ، إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) أي لا أريد من خلقهم جلب نفع لي ، ولا دفع ضرر عني ، كما
__________________
(١) قال ابن تيمية : إنه ليس من كلام النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولا يعرف له سند صحيح ولا ضعيف.