تريده السادة عادة من عبيدهم ، فإن الله هو الغني المعطي ، الرزاق المعطي ، الذي يرزق مخلوقاته ، ويقوم بما يصلحهم ، وهو ذو القدرة والقوة ، والشديد القوة ، فلم يخلقهم لنفع ينفعونه به ، فعليهم أن يؤدوا ما خلقوا له من العبادة. وما في قوله : (ما أُرِيدُ ..) للنفي في الحال ، ولا : للنفي في الاستقبال ، ونفي الحال وهو الدنيا أولى من نفي الاستقبال وهو في أمر الآخرة.
والخلاصة : أنه تعالى خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له ، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء ، ومن عصاه عذّبه أشد العذاب ، وهو غير محتاج إليهم ، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم.
روى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضياللهعنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : قال الله تعالى : «يا ابن آدم ، تفرّغ لعبادتي أملأ صدرك غنى ، وأسد فقرك ، وإلا تفعل ، ملأت صدرك شغلا ، ولم أسد فقرك».
وورد في بعض الكتب الإلهية : يقول الله تعالى : «ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب ، وتكفلت برزقك فلا تتعب ، فاطلبني تجدني ، فإن وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء».
ثم هدد الله تعالى مشركي مكة وأمثالهم بقوله :
(فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ ، فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) أي فإن للذين ظلموا أنفسهم بالكفر والشرك وتكذيب الرسول نصيبا من العذاب ، مثل نصيب أمثالهم الكفار من الأمم السابقة ، فلا يطلبوا مني تعجيل العذاب لهم ، فإن حظهم من العذاب آت لا ريب فيه ، وواقع لا محالة ، كما قال تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ ، فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) [النحل ١٦ / ١].
وهذا جواب قولهم : (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [الملك ٦٧ / ٢٥] وقولهم : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [هود ١١ / ٣٢].