عبادة الله ، مع أن خلقهم ما كان إلا للعبادة.
وقال مجاهد وغيره «إلا ليعبدون» أي إلا للعبادة ، وهذا كما قال الثعلبي قول حسن ، لأنه لو لم يخلقهم ، لما عرف وجود الله وتوحيده ، ودليل هذا التأويل قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [الزخرف ٤٣ / ٨٧]. (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ : خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) [الزخرف ٤٣ / ٩]. وهذا منهم عبادة وليس ينفعهم مع الشرك.
٥ ـ لم يكن خلق الناس للعبادة لحاجة من الخالق ، فالله عزوجل غني عن عبادة العباد ، ولم يكن خلقهم للتسخير للخدمة في توفير الطعام والشراب أو حفظه ، كما يفعل السادة مع العبيد ، وهو سبحانه الرزاق الذي يرزق غيره ، وهو القدير الشديد القوي ، الذي لا يتقوى بأحد.
وقوله : (هُوَ الرَّزَّاقُ) تعليل لعدم طلب الرزق ، وقوله : (ذُو الْقُوَّةِ) تعليل لعدم طلب العمل ، لأن من يطلب رزقا ، يكون فقيرا محتاجا ، ومن يطلب عملا من غيره ، يكون عاجزا لا قوة له.
٦ ـ إن للذين ظلموا أنفسهم وهم كفار مكة وأمثالهم نصيبا من العذاب مثل نصيب الكفار من الأمم السالفة ، فلا داعي لاستعجالهم نزول العذاب بهم ، فإنه آتيهم لا محالة.
وهذا تهديد للكفار الذين وصفهم الله بأنهم ظلمة ، لأن من وضع نفسه في موضع عبادة غير الله ، يكون قد وضع الشيء في غير موضعه ، فيكون ظالما. وإذا ثبت أن الإنس مخلوقون للعبادة ، فإن الذين ظلموا بعبادة غير الله ، لهم هلاك مثل هلاك من تقدم.
ومناسبة الذّنوب التي هي في الأصل : الدلو العظيمة : هي كأنه تعالى قال : نصبّ من فوق رؤوسهم ذنوبا كذنوب صبّ فوق رؤوس أولئك.