قريشا لما اجتمعوا في دار النّدوة في أمر النبي صلىاللهعليهوسلم ، قال قائل : احبسوه في وثاق ، ثم تربصوا به المنون حتى يهلك ، كما هلك من قبله من الشعراء : زهير والنابغة والأعشى ، فإنما هو كأحدهم ، فأنزل الله في ذلك : (أَمْ يَقُولُونَ : شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ).
المناسبة :
بعد قسم الله تعالى على وقوع العذاب ، وذكر أحوال المعذبين والناجين ، أمر تعالى نبيه بالتذكير إنذارا للكافر ، وتبشيرا للمؤمن ، ودعاء إلى الله تعالى بنشر رسالته ، ثم نفى عنه ما كان الكفار ينسبونه إليه من الكهانة والجنون باعتبارهما طريقين إلى الإخبار ببعض المغيّبات ، بالاعتماد على الجن. وكان شيبة بن ربيعة ممن ينسبه إلى الكهانة ، وعقبة بن أبي معيط ممن ينسبه إلى الجنون. ثم بيّن الله تعالى ما في هذا الاتهام من التناقض والاضطراب ، ثم أمره ربه بتهديدهم بمثل صنيعهم ، ثم تحداهم بأن يأتوا بمثل القرآن أو بمثل أقصر سورة من هذا الكلام المفترى ، وفيهم الفصحاء والبلغاء ، بل هم قوم طاغون متجاوزون الحد ، جاحدون كافرون لا يؤمنون بالوحي ، فقالوا بأهوائهم مثل تلك الأقاويل.
التفسير والبيان :
(فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) أي إذا كان في الوجود قوم يخافون الله ، ويشفقون في أهليهم من عذاب الله كما تقدم في الآيات السابقة ، فوجب عليك أيها الرسول الإتيان بما أمرت به من التذكير ، فاثبت على ما أنت عليه من تذكير الناس وموعظتهم ، ولا يثبّطنك قولهم : كاهن أو مجنون ، فلست بحمد الله وإنعامه بكاهن كما يقول جهلة كفار قريش ، ولا مجنون ، والكاهن : هو الذي يوهم أنه يعلم الغيب من دون وحي ، ويخبر عن الماضي بالأخبار الخفية ، وليس ما تقوله كهانة ، فإنك إنما تنطق بالوحي الذي أمرك الله