بإبلاغه. والمجنون : هو الذي يتخبطه الشيطان من المس ، في عرف العرب. وممن قال : إنه كاهن كما تقدم : شيبة بن ربيعة ، وممن قال : إنه مجنون عقبة بن أبي معيط.
لا تبال بهذا ، فإنه قول باطل متناقض ، لأن الكاهن يحتاج في كهانته إلى فطنة ودقة نظر ، والمجنون مغطى على عقله ، ولست بما عرف عنك من رجاحة العقل أحد هذين.
ثم أنكر الله تعالى عليهم قولا آخر في الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فقال :
(أَمْ يَقُولُونَ : شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) أي بل يقولون : إنه شاعر ننتظر به حوادث الأيام ، فيموت كما مات غيره ، أو يهلك كما هلك من قبله ، فنستريح منه ومن شأنه وينقضي ما جاء به من هذا الدين.
ثم هددهم الله وتهكم بهم قائلا لرسوله صلىاللهعليهوسلم :
ـ (قُلْ : تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) أي قل لهم أيها الرسول : انتظروا موتي أو هلاكي ، فإني معكم من المنتظرين لعاقبة الأمر ، وقضاء الله فيكم ، وستعلمون لمن تكون العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة ، وأنا واثق من نصر الله تعالى.
ـ (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) أي أأنزل عليهم ذكر أم أتأمرهم عقولهم بهذا الكلام المتناقض؟ وهي دعوى أن القرآن سحر أو كهانة أو شعر ، وقولهم في الرسول صلىاللهعليهوسلم : كاهن وشاعر مع قولهم : مجنون ، فالشاعر غير الكاهن وغير المجنون ، فالأول ينطق بالحكمة ، والثاني يذكر الخرافات ، والثالث زائل العقل ، وكانت عظماء قريش توصف بأنهم أهل الأحلام والنهى والعقول ، فتهكم الله بعقولهم التي لا تميز بين الحق والباطل.