قد توحي الآية نفسها أن الله تعالى ضرب مثلا قبلها ببعوضة او ما فوقها فقال الذين كفروا ما قالوه ، كما علم الذين آمنوا ما علموه ، فكيف لم يذكر المثل قبلها وإنما جاء الجواب؟.
أقول : هذه الآية مع ما تحمل من مثل البعوضة ، فيها الإجابة عما ربما قيل عن الأمثال السالفة (١) او يقال ، بان ضرب المثل بصغير او كبير انما هو لإثبات حق (وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) (٣٣ : ٥٣) والكون بصغيره وكبيره لله ومن خلق الله ، وله أن يمثل بما يشاء ، حيث العبرة في المثل ليست في الحجم والكمّ ، وإنما في الكيف والتدليل كأدوات للتنوير.
والبعوضة حشرة مضرة من فصيلة البعوضيات ورتبة ذوات الجناحين ، تعيش صغارها في المستنقعات ، وتنقل بلدغتها شتى الجرثومات ، فإذا الله يضرب بها مثلا لمعجزة الحياة فلا استحياء في مثلها ، حيث الحياة في الفيلة بأعضائها كالحياة في البعوضة فما فوقها في الصغر ، بل وللبعوضة ما للفيلة وزيادة عضوين آخرين (٢).
__________________
(١) حيث سبق المثل هنا بالذي استوقد نارا او كصيب من السماء ، كما سبق في العهد المكي ادنى منه كالعنكبوت والذباب ، فاتخذ جماعة من المشركين واهل الكتاب والمنافقين من هذه الأمثال منفذا للتشكيك في صدق الوحي بحجة ان فيها سخرية منهم لا تصدر عن الله ، فهنا الاجابة عن كل ذلك بصيغة مختصرة : «إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي ..».
(٢) البرهان ١ : ٧٢ نقلا عن أبي علي الطبرسي قال وروى عن الصادق (عليه السلام) انه قال : انما ضرب الله المثل بالبعوضة لأن البعوضة على صغر حجمها خلق الله فيها جميع ما خلق في الفيل مع كبره وزيادة عضوين آخرين فأراد الله ان ينبه بذلك المؤمنين على لطف خلقه وعجيب صنعته .. أقول : ومن عجائب البعوضة انه يضرب بخرطومه على الفيل والجاموس كما يضرب الرجل إصبعه في الخبيص من فورة السم الذي عبئ على رأس خرطومه!