ثم ضرب المثل بالصغار ينبه كبار المتعنّتين أنهم صغار صغار بجنب الله حتى في خلق بعوضة ، حتى وآلهتهم التي ألهتهم : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ، وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) (٢٢ : ٧٣).
وهكذا تكون دوما حال الأمثال التي يضر بها الله ، مواتية لما يهدفه من أهداف : (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (١٤ : ٢٥) ...
ثم الحالة المؤمنة وجاه هذه الأمثال ، فيما إذا كانت مريبة كبعوضة فما فوقها في الصغر ـ هي : العلم أنه الحق من ربهم فإيمانهم بالله يدفعهم في مزال الأقدام ان يتلقوا كل ما يصدر من الله بكل قبول وتصديق ، فمهما جهلوا حكمته ومغزاه ، فالله حكيم عليم. طالما المقالة الكافرة سؤال استكبار واستنكار ، سؤال المقطوع الصلة عن الله المحجوب عن نور الله ومن لا يرجو لله وقارا : (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) كأنه باطل من ربهم (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً) : مثلا يضلّل فكيف يضربها الله : اعتراضا على كلام الله ، غافلين او متجاهلين أنه (وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ)! (١)
وقد تكون (وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) من أوسط الفاسقين ، بعد (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً) ولا تكون من كبرائهم الافسقين إذ لا يرون في هذا المثل وجهة حقّ وهدى.
فجواب الآخرين ـ فقط ـ : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) وللأولين
__________________
(١). هنا الوجهان مقبولان حيث تتحملها الآية لفظا ومعنى ان يهدي به كثيرا اما من كلامهم تتمة الاعتراض او من كلام الله نقضا للاعتراض ، وكما «ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ» حلّ نهائي لسؤالهم.