ولان الفسوق دركات فالضلالة الناتجة عنه ايضا دركات طبقا عن طبق ، فالفسوق المروق عن مطلق الطاعة ضلال مطلق مطبق ، والفسوق عن الطاعة المطلقة وهو مطلق الضلال غير مطبق ، فالحياد عن منهج الله ومحادّة حكم الله والحداد عن حدود الله هو الفساد الشامل للنفوس والأحوال ، التي تردي في الأوحال ، ومن ثم فحق لهم أن يضلهم الله بما يطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ).
ثم و «مثلا ما» (١) يشمل كافة الأمثال القرآنية ، ومثلا منها : «البعوضة» وهي أضعف ما يعرف عاميا من خلق الله (فَما فَوْقَها) في الضعف والخساسة ، الذي يعرفه البعض بعيون مجردة او مسلحة (٢) ولكن الله إذ يواجه الناس أجمعين يضرب أمثالا يعرف الناس أجمعون : نملا بعوضة ـ ذبابا ـ عنكبوتا ـ نحلا : وهي على صغرها وخستها حجما ، عظيمة في خصّتها خلقة وخاصّتها مثالا : فلما ذا الله يستحيي أن يضرب مثلا مّا : بعوضة فما فوقها؟ وما الأمثال في القرآن إلّا مظاهر نعيشها ، تدليلا على حقائق نجهلها.
ويا لمثل البعوضة فما فوقها من ملابسات هامة فيزيولوجيا وحيويا
__________________
(١). «ما» هنا ليست زائدة. وانما تعني الإجمال الشامل لكل مثل ، كما يقال : شيئا مّا ـ امرا مّا ـ رجلا مّا ـ شخصا مّا ، ف «ما» تؤكد التنكير الإجمال فيما قبله وتعمّه .. ف «بعوضة» منصوب على البدلية من مَثَلاً ما دون حاجة الى تكلفات اخرى تأبى عنها كلام الله!.
(٢). لان المقام هنا الاجابة عما يسئل عن صغر المثال «فَما فَوْقَها» هنا تعني : ما فوقها في الصغر والخسّة ، حيث الفوقية تختلف مواردها وكما يقال : فلان فوق فلان في الفقر ـ في اللؤم ـ في الفسق او في الصغر ، حيث الفوقية فيها هو الشدة في كل منها ... ومع ذلك كله فَما فَوْقَها في الآية تتحمل الفوقين : ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها في الصغر كالنملة وما فوقها ، او في الكبر كالنحلة وما فوقها.