وتعظيم جلال عزه وقربهم من غيب ملكوته أن يعلموا من أمره إلّا ما أعلمهم وهم من ملكوت القدس بحيث هم ، ومن معرفته على ما فطرهم عليه أن قالوا : (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) (١).
فيا لهذا النسل الأخير الإنساني من مكرمات جعلته خير الأنسال الترابية ـ لا فحسب! فقد فضّلته على ملائكة السماء ، فلا أفضل منه في تاريخ التكوين : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (٩٥ : ٤) فليس في الخلق أقوم منه ، اللهم إلّا أن يماثله من لا نعرفه : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (١٧ : ٧٠) فمن هذا القليل الذي يزامله في هذه القوامه الحسنى؟ لا ندري!.
ثم اللهم إلّا أن لا يعرفوا كيانهم فيردون إلى أسفل سافلين ، بعد ما خلقهم الله في أحسن تقويم ،
في ذلك التعليم والإنباء والعرض عرض لكيان هذه الخليفة في معرض القياس على الملائكة ، ولكي يعلموا أن هذه الخليفة الترابية البشر ، المخلوقة من تراب من حمإ مسنون ، هي أعلى من ملائكة السماوات! ولكي يعلم الإنسان من هو ، فليجدّ بالسير الى مثله العليا.
نكات مستدركات حول هذه الآيات :
١ ـ «إني جاعل» دون «خالق» توحي أنه جعل خليفة بعد خلقه لا بخلقه ، وعلّ بداية خلافته حين نبّئ بعد ما (عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) وإن كان تعليمه الأسماء وإسجاد الملائكة له قبل ذلك ، فقد كفى إثباتا لخلافته بذريته الأنبياء تعليمه الأسماء ـ ذاتيا ـ وإنبائهم وعرضهم الأسماء حملا لهؤلاء الخلفاء ...
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٥٥ عن التوحيد للصدوق خطبة لعلي عليه السلام يقول فيها : ..