المعنيون من «العالمين» : (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) : عالمي تاريخهم حاضرا وغابرا ، دون الأمة الاسلامية السامية المفضّلة على العالمين في مثلث الزمان ، في الطول التاريخي والعرض الجغرافي ، وهذه الأمة المجيدة التي حباها الله الخلافة والرسالية الخالدة ، إذ سلبها عن بني إسرائيل.
أترى إذ أنعم الله على السابقين من بني إسرائيل ، فكيف يمتنّ بها على الحاضرين وقد أخذت عنهم نعمة الرسالة وحوّلت الى نبيّ إسماعيلي؟
أقول : لأن نعمة الرسالة المحمدية أكثر وأوفر من الرسالة الإسرائيلية ، فهي لهم نعمة بعد نعمة ، فليقبلوا إلى هذه الرسالة شكرا لما أنعم عليهم من الرسالات السابقة ، المبشّرة بها ، فذكر هذه النعمة السابقة السابغة يدفعهم للتنعّم باللّاحقة ، لأنها نعمة تحمل البشارة بهذه النعمة!
ثم ترى ما هو عهد الله عليهم حيث يناط بعهدهم عليه؟ عهد وجاه عهد ، ووفاء وجاه وفاء؟
أهو العهد الاوّل المعقود بين فطرة الإنسان وبين الله : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ... ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (٣٠ : ٣٠) أن يوحّده ويعبده وحده لا شريك له؟ عهد مشدود إلى الفطرة ، لا يحجبه او يفصله إلّا حجابات الانحراف والغواية العامدة؟
أم هو العهد المعقود على آدم وذريته إذ أهبطه وزوجه إلى الأرض : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٢ : ٣٨) وهما عهدان يعمان نوع الإنسان دون اختصاص ببني إسرائيل ، وهما أمّ العهود التي تؤخذ على مختلف الأمم مهما اختلفت صيغها ، حيث تنحو منحى أصلي الفطرة والشريعة : عهد ذاتي وآخر خارجي يتجاوبان في تحقيق أوامر الله ..