الدنيا هو العمل الصالح النابع عن الإيمان : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (١٨ : ١١٠) (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (٢ : ٢٢٣) كدحا وسعيا وعناء في إزالة الحجب وترك الهوى حتى يلقاه : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) (٨٤ : ٦) لقاء معرفيا ورضوانا من الله وهي الحياة الطيبة : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً ..) (١٨ : ١١٠). وأما اللقاء القرب قيوميا وعلميا فهو حاصل بين الله وما سواه دون كدح ، فإنه لزام ربوبيته ومربوبيتها ، كما وأن اللقاء المعرفة الضرورية بالموت ثم الحشر يعم الجميع ، مهما اختص لقاء الرحمة والثواب بالذين آمنوا وعملوا الصالحات.
ف (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) هم العالمون بالله العارفون الله فهم ملاقوه هنا بما خشعوا ، كما يلاقونه في الأخرى لقاء مزيد المعرفة والثواب ، والرحمة والرضوان ، فخشوعهم يدفعهم هنا إلى لقاءه ـ ولقاءهم يدفعهم إلى تحضيرهم للقائه منذ الموت ، وعلمهم بلقائه بعد الموت يدفعهم إلى مزيد ومزيد من خشوعهم ولقاءهم يوم الدنيا.
(وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) بعد لقيا الدنيا المعرفية بالصالحات ، وبعد لقيا الحساب المؤقت في البرزخ ، ولقيا الحساب النهائي يوم القيامة ، وتكملات للقاء المعرفة والرضوان ، فمن ثمّ الرجوع الى الله ، إلى عالم من الراحة والأمان ، تحت ظلال الإيمان ورحمة الرب المنان.
فليست ـ فقط ـ الحياة الأخرى في القيامة الكبرى هو مجال الرجوع إلى الله ، مهما كان من درجات الرجوع : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢ : ٢٨) حيث يتأخر الرجوع الأصل الأخير ، عن الحياة الأخيرة بعد الحياة البرزخية.