فتجريد الآية عن مضيق من شأن نزولها هو من البطن الاوّل (١) فإذ يقول الله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) لا يحمل الآية فقط على (الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ) بل يجريها وبأحرى ـ على : «الذين حملوا القرآن ثم لم يحملوها» فمثلهم إذا ليس فقط ـ كمثل الحمار ، بل أضل سبيلا ، كما أن حمل القرآن أثقل فإنه أقوم قيلا.
إذا فنحن المسلمين المحمّلين القرآن كل على حدّه المستطاع ، كثير منا مثله كأضل سبيلا من الحمار ، من تارك حمله في علومه ومعارفه ، ومن تارك تطبيقه بعد معرفته ومن ...!.
ثم وتحريرها عما تستأنسه الأفهام العامة من معاني محدودة هو من البطن الثاني ، وتزويدها سعة وعمقا وإيضاحا بنظائرها من آيات هو من البطن الثالث ، وتحريرها عما قبلها وما بعدها من قرائن ومتعلقات غير أصيلة من البطن الرابع ، وهكذا الى بطون اخرى ، رعاية لأصل الدلالة اللفظية كمنطلق ، وحجج ودلالات قرانية أخرى كوسائل للتحرير والتوسعة ، معتمدين في كل ذلك على حجة من علم الكتاب أو أثارة من علم ، متجنبين عما نهواه من أهواء علمية أمّاهيه ، لكي نبتعد عن تفسير القرآن بالرأي ، وانما القرآن بالقرآن ، وعلى ضوء السنة والله هو الموفق لهداه.
والقول ان القرآن هدى للناس وهو بيّن لهم كلهم ومبين فلا حاجة الى التأمل الزائد في تفهّم معانيه أو بطون له؟ إنه غير متين ، كما مضت في هذه
__________________
(١) ومن البطن الاوّل هم الذين عملوا بمثل اعمال من نزلت الآية فيهم كما يروي عن الامام الباقر (عليه السلام) «ظهر القرآن الذين نزل فيهم وبطنه الذي عملوا بمثل اعمالهم» (البرهان ١ : ٢٠ عن حمران بن أعين عنه (عليه السلام).