ثم الرؤية هنا هي رؤية العلم البصيرة ، لا رؤية البصر ، حيث القصة سابقة بآلاف من السنين ، فإنما هي رؤية بالوحي الصارم ، التي هي أثبت من رؤية البصر ، فالبصر قد يخطأ ولا يخطأ الوحي ، وقد تلمح «إلى» هنا الى سابق الوقعة دون حاضره وإن بصورته ، حيث الرؤية متعدية بنفسها للناظر بالبصر ك «رأيتهم» ولكن «رأيت إلى» لامحة إلى مرئي بعيد عن البصر قريب إلى البصيرة.
وفد تعني «ألم تر» ـ بجنب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى هامش رسالته ـ كل من يصح خطابه ، وليكونوا نابهين به وان الله يبعث من في القبور ، وقد يبعث قبل الأخرى جماعة في الأولى كيوم الرجعة.
فواقع الإحياء هنا دليل واقعه فيهما وبأحرى ، حيث السبب فيهما أقوى ، ولا سيما في الأخرى ، ثم (وَهُمْ أُلُوفٌ) وهي جمع كثرة تلمح أنهم كانوا فوق عشرة آلاف ، وقد تكون هي جمع إلف كما هي جمع ألف ، فقد كان كلّ إلفا لحياته ، ماسكا لها بكل حوله وقوته ، ثم كلّ إلف بصاحبه ، فقد اجتمعت فيهم قدرات ثلاث هي من أهم اسباب الفرار من الموت : الكثرة ، والألفة بمعنييها ، ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ، وليعلموا أن وعد الله حق ، وأنه غير مغلوب على أمره (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
(فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ) وهو قول تكويني إرادة ماضية لإماتتهم ، ثم أخرى لإحيائهم (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) ، وهنا (ثُمَّ أَحْياهُمْ) ك «موتوا» تدلنا ان إحياءهم لم يكن من نبيّ كحزقيل أمن شابه ، كخارقة ربانية هي من فعل النبي تدليلا على نبوته ، فانما هو فعل الله مهما كان قرينة قولة او اشارة من نبي الله ، فلتؤول الروايات القائلة ان حزقيال ام سواه أحياهم.