بلده إذا أمكن منه الطاعون ، فليفر ـ إذا فر ـ من نفسه.
وهنا (حَذَرَ الْمَوْتِ) قد يلمح بأنهم ابتلوا بسبب الموت ومنه الطاعون ، ثم خرجوا من ديارهم حذر الموت بالطاعون ، فما ذا يفيدهم ـ إذا ـ الخروج من ديارهم.
هذا إذا كان التنديد هنا بخروجهم ومعهم سبب الموت ، وقد يعنيه ما يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فان الموت في أعناقكم وإذا كان بأرض فلا تدخلوها فانه يحرق القلوب» (١).
وأما إذا كان التنديد بواقع الخروج حين قدر الموت بسببه وهم لا يعلمون ، وإنما يخرجون خوفة الابتلاء به ، فهو ـ إذا ـ بيان أن أجل الله لا يؤخر بالفرار ولا يعجل بالفرار.
__________________
(١) الدر المنثور ١ : ٣١٢ ـ أخرج سيف في الفتوح عن شرحبيل بن حسنة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ...
وفيه اخرج أحمد والبخاري ومسلم وابو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن عوف سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول في الطاعون : «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه».
وفيه عن عائشة قالت قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تفنى امتي إلا بالطعن والطاعون ، قلت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : هذا الطعن قد عرفنا فما الطاعون؟ قال : غدة كغدة البعير ، المقيم بها كالشهيد والفار منه كالفار من الزحف.
وفيه عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الفار من الطاعون كالفار من الزحف والصابر فيه كالصابر في الزحف.
أقول : «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه» في الحديث الاوّل دليل واجب التحرز عن الموت وواجب الفرار عنه ما أمكن ، فالتنديد بفرار من فر ليس إلا فيما لا ينفع الفراد إذا أمكن سبب الموت في الإنسان فما ذا يفيده الفرار عن بلده إلى سواه.