يتعرف المتحري عن الحق المرام حقّه في كل نظرة الى آيات ، مستدلا بها على مجموعة مختصرة غير مختصرة من معارفه ، ثم إذا اهتدى وأراد المزيد يزيد في تلاوته مزيدا ومزيدا : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ).
أجل ولكل مقال مجال ولكل مجال مقال ، لا بد للمفسر او المستفسر لآي الذكر الحكيم ان يتعرف الى مجال كل مقال ، والى مقال كل مجال ، ليعرف الحال كما هي ، دون تحميل على القرآن ما يرتإيه من قال ، فانه تفسير للقرآن عن قاله ومجاله ، وليس تفسيرا لقاله بمجاله.
ولقد وردت روايات مستفيضة (١) بحق ذلك الموت الجماعي ثم الإحياء من طريق الفريقين ، ما لا مجال لردها تفسيرا لهذه الآية ، حيث توافقها في معناها ومغزاها ، اللهم إلا ما تحمل جزئيات لا تحملها الآية او لا تتحملها.
هنا (خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ ... حَذَرَ الْمَوْتِ) يلمح بان باعث الموت كان في ديارهم مثل الطاعون كما في مستفيض الأحاديث ، ورغم ان حذر الموت والفرار منه طبيعة الحال لكلّ حيّ ، ومأمور به لكل مكلف ، ولكن قد يستثنى واجب الفرار من الموت بما هو واجب كالجهاد ، ولذلك أصبح الفرار من الزحف حذر الموت من كبائر المعاصي.
ام بما هو واقع لا ينفعه الفرار ـ مهما كان هناك علاج آخر او لم يكن ـ كمثل الطاعون الماكن في بعض البلاد ، فالمبتلى بالطاعون لا يفيده الفرار من
__________________
(١) ففي الاحتجاج عن الصادق (عليه السلام) في حديث قال (عليه السلام) أحي الله قوما خرجوا من أوطانهم هاربين من الطاعون لا يحصى عددهم فأماتهم الله دهرا طويلا حتى بليت عظامهم وتقطعت أوصالهم وصاروا ترابا فبعث الله في وقت أحب ان يرى خلقه نبيا يقال له حزقيل فدعاهم فاجتمعت أبدانهم ورجعت فيها أرواحهم وقاموا كهيئة يوم ماتوا لا يفتقدون في اعدادهم رجلا فعاشوا بعد ذلك دهرا طويلا.