ذلك! ولكن هذه الحماسة الثائرة الفائرة في ساعة الرخاء ـ رغم ظاهرها الجاد ـ لم تدم :
(فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) ٢٤٦.
وهنا تبرز السمة الوصمة الاسرائيلية الدنية في نقض العهد مهما كان ميثاقه لصالحهم في أنفسهم وأبناءهم! تفلتا عن الطاعة المطاوعة ، ونكوصا عن التكليف ، سمة على القيادة ان يتحذرها ، لكيلا تقع في فخها تحسّبا لواثق الوعد ، الصارم لفظيا ، العارم عمليا.
فهذه البشرية الشريرة الناقضة للعهود بهذه العجالة ، حيث لم تخلص من الأوشاب ، ولم تطهر من عقابيل ، هذه! يجب ان تتحذر في القيادات الصالحة (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ). ان نبيهم ـ حيث تطلّب سؤالهم من الله ـ بعد أن أخذ موثقهم من الله ـ قال لهم :
(وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) ٢٤٧.
وهنا يبرز أول لجاج في حجاج حول الملك طالوت ، وقد بعثه الله بما ابتعثه منه ذلك النبي وهم أولاء الذين سألوه ان يبعث لهم ملكا.
حجاج لهم بقولة فارغة (أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا) تكذيبا للرسول أم تجهيلا لله في ذلك الابتعاث ، مفضلين أنفسهم ككلّ عليه : من فقراء وأغنياء ، وعقلاء وأغبياء! ومن ثم محتجين بانه (لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ) وفيهم من أوتى سعة من المال ، فكيف يملك فاقد المال أصحاب الأموال؟.