لم تختلف في شرعة الله (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ) ولم تترك هذه الشرعة الى سواها من مختلفات مختلقات ، ولكنها اختلفت فيها بعد ما شرعت إيمانا وكفرا ، ثم الذين أوتوه اختلفوا فيها بغيا بينهم ، فنشبت في هذه الخلافات والاختلافات اقتتالات : (وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) كفرا بأصل الرسالة ، ام كفرا جانبيا بمادة الرسالة تحريفا لها وتجديفا ، ام صمودا على رسالة منسوخة بأخرى.
(وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا) بان يجعل لهم ـ ككل ـ شرعة واحدة ، ثم يحملهم عليها إزالة لاختيارهم ، ولكن الشرعة الواحدة قليلة الابتلاء : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً ... لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) (٥ : ٤٨).
وكما والشرعة المسيّر إليها فاقدة الابتلاء ، والدنيا هي دار التكليف والابتلاء : (وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) من صالح العباد في اصل الشرعة وعديدها ، وفي عدم التسيير على ترك القتال.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ٢٥٤.
ان الإنفاق من رزق الله هو قضية الإيمان ، و (مِمَّا رَزَقْناكُمْ) تعم كلّما يمكن إنفاقه ويحل من مال او حال : إرشادا عقليا او علميا ، أم أي انفاق صالح دون افراط ولا تفريط.
(أَنْفِقُوا ... مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) وهو يوم انقطاع حياة التكليف موتا فرديا الى البرزخ ، ام موتا جماعيا الى القيامة الكبرى ، ثم (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) مهما كان كفر العقيدة كمن يكفر بالإيمان ، ام كفر العمل كمن لا ينفق من رزق الله.