درجات التقوى : (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) ودرجات المساعي : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى).
ولا يعني (إِلَّا بِما شاءَ) إلّا الأخير وأوساطا ضرورية أو إكرامية من وسط الوحي والإلهام ، إذ ليس كل ما بالإمكان ان يعلم يعلّمه رسله وأصفيائه إلّا ما هو قضية ضرورة الدعوة ورجاحتها ، ف : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٧ : ١٨٨).
فالحيطة بشيء من علمه على أية حال هي حيطة محدودة حادثة بمشيئته ، فليست هي من حيطته الأزلية الذاتية ولا الفعلية.
وانقطاع الاستثناء هو أحرى بذلك التعليم حيث الحيطة هي على أية حال منفية ، فإن ما يشاء تعليمه هو غير ما عنده ، وفي اتصال الاستثناء قد يعني «علّمه» معلومه بحيطة حادثة كما تناسب الخلق ، فلا حيطة كاملة شاملة لأي مخلوق بمخلوق ، لأنها علميا تلازم القدرة المطلقة على خلقه كما هي في القدرة تلازم العلم المحيط (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) تنفي كل حيطة علمية به وبما هو محيط به : (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) (٤١ : ٥٢) حيطة العلم والقدرة والإرادة ، فلا شيئ يحيط بشيء ـ فضلا عن كل شيئ ـ إلا هو ، ف «ما الذي نرى من خلقك ونعجب له من قدرتك ونصفه من عظيم سلطانك وما تغيب عنا منه وقصرت أبصارنا عنه وانتهت عقولنا دونه وحالت ستور الغيوب بيننا وبينه أعظم ، فمن فرغ قلبه وأعمل فكره ليعلم كيف أقمت عرشك وكيف ذرأت خلقك وكيف علقت في الهواء سماواتك وكيف مددت على مور الماء أرضك رجع طرفه حسيرا وعقله مبهورا وسمعه والها وفكره حائرا» (١).
__________________
(١) نهج البلاغة الخطبة ١٥٩ للإمام علي (عليه السلام).