فالاكراه في ظهور العصيان وملكوت الجزاء في الأخرى ليس استثناء عن هذه الضابطة. واما الأولى فقد يكون فيها الإكراه على تطبيق الدين بالنسبة لمن يعتقده ويتركه ، امرا بالمعروف ونهيا عن المنكر عمليا بعد تبيّن الحق فيهما ، ولكنه ليس في الحق اكراها ، بل هو حمل على ما يعتقده ، وتوافقه فطرته وعقليته ، فقد لا يصدق عليه الإكراه.
وكذلك الحمل على الإقرار باللسان فيما يعتقده عقليا ولا يقرّ به فإنه ـ في الحق ـ ليس اكراها ، واما عقيدة القلب فليست لتقبل الإكراه على اية حال ، فلا إكراه في الدين في أية حال ، ثم الدين كما يعم مثلثه ولا إكراه إطلاقا في عقيدة الدين ، كذلك يعم دين الفطرة والعقلية ف (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) فطريا ـ كما فطر الله ـ وعقليا.
فلا إكراه فيما توافقه الفطرة والعقلية حيث المطاوعة حاصلة بطبيعة الحال ، كما لا إكراه فيما يخالفهما حيث المطاوعة ـ إذا ـ غير حاصلة على أية حال.
فالرشد المتبين لا إكراه على اتباعه كما لا إكراه على تركه ، وكذلك الغي المتبين ، فلا واقع للاكراه في حقل التبين ، فلا إكراه ـ إذا ـ شرعيا ولا واقعيا بسند تبين الرشد من الغي ، فمن تبين له الرشد من الغي يعتقده دون إكراه ، ومن لم يتبين له لا يعتقده بأي إكراه ، ف «لا إكراه» في الاوّل سلب لتحصيل الحاصل ، اللهم الا في عمل الايمان في حقل الأمر والنهي ، وفي الثاني سلب لاستحالة حصوله بالإكراه.
ومهما انضبط «لا إكراه» في اصل الايمان ، فهنالك إكراه وحمل على مقدمات الإيمان وهي رؤية الآيات الربانية آفاقية وانفسية حتى يتبين لهم الحق :