ثم لماذا (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ)؟ لأنه (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) فلا إكراه ـ إذا ـ لا على الرشد ولا على الغي.
ذلك ، وباحرى «لا إكراه» فيما لم يتبين الرشد من الغي سواء الرشد في اصل الايمان ام عمل الايمان.
فكما لا يحمل على لفظ الايمان او عمله من لم يتبين له الرشد من الغي ، كذلك لا يحمل على عمله من لم يتبين له بعد الايمان ، حيث الايمان درجات قد يقنع المؤمن لعمل الايمان وهو مؤمن.
لذلك ف (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (١٦ : ١٢٥).
فما لم تحمل الدعوة الى الرب حكمة وموعظة حسنة ثم وجدالا بالتي هي احسن ، لم تكن الدعوة صالحة ، ولم تتبين بها الرشد من الغي ، فلا إكراه ـ إذا ـ على لفظ الإيمان او عمله فضلا عن أصله ، فانما يكره على لفظ الايمان وعمله من تبين له الرشد من الغي ، إن صح التعبير عنه بالإكراه ، ثم تبين الرشد من الغي درجات ثلاث ، فطريا وعقليا وشرعيا ، فإذا اكتمل الثلاث فقد حق الحمل على لفظ الايمان وعمله ، والا فلا حمل عليهما فضلا عن اصل الايمان.
ولأنه (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) إذ (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) ـ (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) على تبين لسلبه (وَيُؤْمِنْ بِاللهِ) على تبين لإيجابه (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) حيث لا أوثق منها (لَا انْفِصامَ لَها) مهما اكره ذلك المؤمن على ترك لفظ الايمان او عمله حيث (أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) فمهما انفصم ظاهر الايمان بإكراه فليس لينفصم أصله بذلك الإكراه ، (وَاللهُ سَمِيعٌ) مقال