(الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ) : رب ابراهيم كما هو الحق المعترف هو به ، ورب الذي حاجه كما هو الواقع المنكور لديه ، فانه رب العالمين ، مصدقين له او ناكرين ، إذا فضمير الغائب راجع إليهما على البدل ، وما أجمله جمعا كما هو داب القرآن الفني الخاص في تأدية المعاني الواسعة ، ولماذا (حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ)؟ : (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ)! وتراه هو ملك ابراهيم الذي آتاه الله روحيا وكما آتى بعض ولده وآله زمنيا ، ام روحيا وزمنيا وكما يقول : (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (٤ : ٥٤) تأويلا لآل ابراهيم بإبراهيم وآله و (مُلْكاً عَظِيماً) يجمع كلتا القيادتين : الروحية والزمنية ، مهما انفرد البعض منهم بإحداهما ، حيث جمعتا لآخرين كداود وسليمان ويوسف ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخيرا القائم المهدى من آله عليهم السلام.
ولقد سبقت آية الملك هذه آية الملك الروحي الرسالي المحمدي : (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً. أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا ...).
مما يمحور الملك الروحي ، فليس الملك الزمني إلا على هامشه وتحت إشرافه ، وليس الملك المتخلف عن القيادة الروحية إلا سلطة مغتصبة إبليسية.
ومما يرجح هنا ملك ابراهيم ادبيا هو اقربيته مرجعا من الذي حاجه.
ذلك! ولكن ل (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) لا تمت بصلة كسبب لمحاجته ابراهيم ، إذ كان ناكرا لله ، فضلا عن ملك آتاه الله ابراهيم كقيادة روحية ، ولم تكن زمنية ملموسة مصدقة!.
وقد يوجه ذلك الملك هنا بما نجاه الله من نار نمرود : (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ. وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ ، وَنَجَّيْناهُ