وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ ... وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا ...) (٢١ : ٧٣) وكما يروى ان الحجاج كان بعد إلقاءه في النار (١).
فتلك النجاة ، الخارقة لكل العادات ، الحارقة لنمرود وزمرته ، إنها طرف طريف من ذلك الملك الروحي ، الذي لا يوجد في اي ملك زمني منفصل عن الوحي ، ولا سيما منعزل عن حق الملك كنمرود.
فقد تميز نمرود غيضا ، فتحيز فرصة أخرى بحجاجة اللجاج ، تعمية لتلك الخارقة الكبرى ، وتدجيلا عليه مرة أخرى فحاجة في ربه ، وفي النهاية (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) مرة أخرى بعد الأولى ، فلا السلطة الزمنية النمرودية قدرت على إحراقه ، ولا حجاجه اللجاج سيطرت على دمغه وإحراجه ، فنجاه الله سليما في كلتا المرحلتين ، ثم هم أولاء الانكاد الأوغاد (فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ)!
وقد تعني (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) (الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ) وقد يقربه ادبيا انه هنا محور الكلام ، ف «أن أتاه» تعلل حجاجه بما آتاه الله ، مهما كان أبعد مرجعا.
ثم القيادة الروحية لا تسمى ملكا مهما كانت هي حق الملك وحقيقته ، حيث الملك ظاهر في واقع السلطة الملموسة ، والسلطة الروحية على واقعها ليست ملموسة ، بل وهي دوما تعيش تحت ضغوط السلطات الظالمة الزمنية.
ولكن كيف (آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) ولا يؤتى ملك الله إلا من يحق له ويستحقه؟.
إن إيتاء الملك هنا تكويني وليس تشريعيا وبينهما عموم من وجه : تكويني لا تشريعي كما هنا ، بمعنى انه لا يمنعه الله عن الملك مهما منعه تشريعا حيث الدار دار الإختيار.
__________________
(١) عن المجمع واختلف في وقت هذه المحاجة قيل : بعد القائه في النار وجعلها عليه بردا وسلاما عن الصادق عليه السلام).