انتبه ببقاء النهار قال (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ). (قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ) ومما يدلك على ذلك الطائل وتلك القدرة الخارقة انك ترى بونا بعيدا بين حمارك البالي وشرابك وطعامك وفي كل دليل على كلّ :
(فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) لم تأخذهما سنون ولا سنة ، بل ولا ساعة ، حيث لم يتغير لا طعامك «التين» ولا شرابك «العصير» وهما يتغيران بقصير الزمن ، وقد مضت مائة ولم يتسنه ، وهذا إذا كانت «يتسنه» من السنة ، ولكنها من «السنّ» : التغيير ، والهاء ـ إذا ـ للسكت ـ كما في : ماليه ـ سلطانيه ـ اقتده ـ ماهية ، أماهيه وهذا أصلح في أدب اللفظ حيث الهاء ـ ولا التاء ـ قد تشير إلى غير السنة ، وفي شمول المعنى ومناسبة الحال ، حيث التين والعصير ليسا مما تأخذهما السنة ، بل ويوم بما دونه يغيرهما.
إذا فقد تعني عدم التغير بتا مهما كان قليلا ، كأن لم يمض عليهما حتى يوم او بعض يوم فضلا عن سنة او مائة!.
ولماذا (لَمْ يَتَسَنَّهْ) مفردة وهناك «شرابك وطعامك»؟ الوجه أدبيا أنه راجع الى المعطوف عليه ، ثم المعطوف مشمول له بعطفه عليه ، وعلّه معنويا ، حيث كان تسارع الفساد الى شرابه أكثر من طعامه ، فتسنّه طعامه أولى من شرابه ، وقد تظافر الخبر على ان شرابه عصير او لبن ، وان طعامه تين طازج ، وما اسرع إليهما تسنها وتغيرا ولا سيما في فضاء فارغ مكشوف ، ومهب الأرياح واشراقة الشمس والغبار!.
ولماذا النظر الأول الى شرابه وطعامه لم يتسنه ، ولا يمت بصلة لتصديق انه لبث مائة عام؟ علّه لأنه قد يخيّل اليه ـ بطبيعة الحال ـ انه في نفسه لم يتسنه فكيف لبث مائة عام ، فأمر بالنظر الأول.
ثم ليظهر له بعين اليقين ذلك اللبث أمر بالنظر الثاني : (وَانْظُرْ إِلى