(قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ...) هنا نتعرف إلى أبعاد (تُحْيِ الْمَوْتى) وانه لم يكن ـ فقط ـ لغرض رؤية أصل الإحياء ، بل وكذلك رؤية جمع مختلف الاجزاء من مختلف الأموات ، فلو ان كان القصد هو اصل الإحياء لكان يكفي من الطير واحد ثم الزائد زائد بائد ، إذ لا يتعلق بالزائد فائد ولا عائد ، وفصيح الاجابة وبليغها إنما هما في إجابة وفق السؤال.
فقد زود الخليل (عليه السلام) ـ إذا ـ بمزيد إراءة الملكوت لإحياء الموتى أصلا وفصلا ، وهو القول الفصل هنا في الإجابة عن (كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى).
كما وان في «الطير» ميزة عن غيرها في تلك الإراءة البارعة ، فكما الطير تطير أحياء ، كذلك نجعلها تطير أمواتا حيث (يَأْتِينَكَ سَعْياً) وذلك أبدع من تطاير اجزاء أية دابة.
ومما لا بد منه في «اربعة» ان تكون من صنوف أربعة ، ولكي تصبح في (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) متخالطة بعضها ببعض ، فيصبح إحياءهن ورجعهن الى ما كنّ أول مرة ، دليلا ناصعا على ان الخلط في خلط ليس ليخلّط على الله تمييز الأجزاء في الإحياء.
فقد تضل عنا أجزاء حيوان في مثله ، ثم يضلان في ثان ثم ثالث ثم رابع ، ولكنها ليست لتضل عن الله تعالى شأنه ، كيف وهي لا تضل عن ملك الموت فانه يتوفى الأرواح والأجساد دونما زلة ولا ضلة ، بإذن الله ، ثم ترجع كما كانت بإذن الله!.
(فَخُذْ ... فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ...) «صرهن» من صار يصور صورا (١) ، مال ، وحيث تعديت ب «إلى» فهي الإمالة ، وقد تأتي بمعنى
__________________
(١) في لسان العرب : رجل أصور : مائل مشتاق ، صرت إلى الشيئ : أملته ، في رأسه صور اي ـ