لا يكفيهم ، ان يغفروا لك قلته ويستغفروا لك الله ، ونفس القول المعروف يخلف مغفرة من الله ومنّه.
و «مغفرة» تطلبها من الله لإخوانك المؤمنين على اية حال ، فانها خير صدقة ، فحتى إذا نالك فقير ببذاء وإيذاء في فعل او كلام ، ف (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) إجابة عن غير معروف «ومغفرة» ان تغفره وتستغفر له ربك ، اجابة عما قد يلعنك ، لأن الفقير كسير قد يحمله على ردة فعل سوء حين لا يجد عندك سؤاله ، ف (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ).
فبصيغة واحدة (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) فان هذه الصدقة فيها خير المال وشر الحال ، واما (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ) فيه خير ذو بعدين بعيدين عن كل شر ، ولا شك ان محض الخير خير من خليطه بشر.
ولئن ابتليتم بصدقة يتبعها أذى ف (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) يزيل تلك الأذى «ومغفرة» اعتذارا من الفقير واستغفارا من الله (خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ) عن صدقاتكم «حليم» عن عقوباتكم حين التورط في ورطة الصدقة المؤذية إذا لحقها (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ).
فذلك تقرير قرير ان كلمة طيبة تضمد جراح القلوب ، وتفعمها بالبشاشة والرضى ، ومغفرة تغسل أحقاد النفوس وتحل محلها الإخاء والصداقة ، هما خير في أنفسهما وخير من صدقة تتبعها أذى والله غني حليم.
وليس فحسب انهما خير من صدقة تتبعها أذى ، مما يخيّل إلينا ان خير هذه الصدقة اقل ، بل :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ