والحكمة نظرية ومعرفية وخلقية وعملية أمّاهيه ، ليست حكيمة إلا على ضوء حكمة القرآن ، وليست الحكمة هي ـ فقط ـ قراءة القرآن ، ام حفظه عن ظهر الغيب ، بل هي هدي القرآن علميا وعقيديا وعمليا ، وكما يدل على هذا الخصوص (مَنْ يَشاءُ ... وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ...).
فالحكيم هو الذي استحكم بالقرآن عرى فطرته وعقليته وإحساسه ، حيث أوتي ـ إذا ـ القصد والاعتدال فلا يفحش ولا يتعدى الحدود ، وأوتي إدراك العلل والغايات فلا يضل في تقدير الأمور ، وأوتي البصيرة المستنيرة التي تهديه للصالح الصائب من الحركات والأعمال وكافة البركات في اعمال وحركات ، وذلك خير كثير ، رغم انه (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً).
فكل علم أوتيناه ككلّ قليل ، وما يؤتيه الله لمن يشاء من الحكمة هو خير كثير (وَما يَذَّكَّرُ) تلك العطية الربانية والخير الكثير (إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) الزائلة عنهم قشور عقولهم ، فأولو الألباب هم ممن يشاء الله ان يؤتيهم الحكمة دون اولي القشور.
(وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) (٢٧٠).
«نفقة» هي المأمور بها بأصل الشرع ، و «نذر» هو المأمور به بما لزمه على أنفسنا بنذر او شبهه عهدا او حلفا أما شابه ، وعل «نذر» هنا بمناسبة «نفقة» هو نذر المال ، وضمير الغائب المفرد في «يعلمه» راجع الى «ما» فيهما ، دون خصوص النذر ام إليهما.
إذا فكل مال تؤتونه للمحاويج (فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ) كما وكيفا ونية وطوية واتجاها ، (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) وعلّ «الأنصار» تشمل هنا كل عدل وشفيع ، وكل تكفير من توبة وسواها ، اعتبارا ان المورد من حقوق الناس ،