وهنا في الوسط تغلى ـ بطبيعة الحال ـ الأسعار أكثر من حالتها العادية ، سواء في الأجور أو السلع ، ولكي يوفي المقترض بالربا ما عليه من الربا بجانب ما يضطر إليه في عيشته اليومية.
وإن العاملين بالربا هم ضريبة مستقيمة لآكليها ، ثم وجميع المستهلكين يؤدون ضريبة غير مباشرة للمرابين ، فان أصحاب الصناعات والتجار لا يدفعون الربا إلّا من جيوب المستهلكين بجنب ما يدفعونه من كدّهم أنفسهم ، فهم ـ إذا ـ وبطبيعة الحال يزيدون في أثمان السلع الاستهلاكية فيتوزع عبؤها على كل أهل الأرض لتدخل في النهاية في جيوب المرابين ، والاستعمار ـ في الأغلب ـ هو نهاية الديون ، كما الحروب هي من الاستعمار!.
ولأن المقترض بالربا فقير لا يكفيه عمله إمرارا لمعيشته ، يصبح بكل كدّه في جزره ومده أفقر مما كان وأعيا في الأكثرية الساحقة ، كما يصبح الوسطاء بينهم وبين المرابين فقراء من عبء العيشة المثقلة عليهم من التضخّم الكاذب للأسعار ، في حين تتكاثر أموال المرابين على طول الخط فيصبح المجتمع المرابي في مثلث لا ضلع له ضليعا له طوله وطوله إلّا آكل الربا ، ثم محقا للآخرين مهما اختلف العمال بالربا والمشترون ، فالمرابي يربح على طول الخط ، والعامل المقترض بين رابح وخاسر ، وربحه يقتسم بين ما يدفع للمرابي وما يصرفه في حاجياته الضرورية كافية وسواها ، ثم المتعاملون الآخرون يحملون أعباء الغلاء في الأسعار ، والنتيجة أن المال كله يختص بجموع المرابين.
ثم إن المستدين بالربا بين أمرين في رأس ماله هذا ، إما أن يستمر في دفع الربا فخسارة دائبة إضافة إلى دائب المتعاملين معه ، أم يحاول في الحصول على مال يرجع رأس ماله إلى صاحبه فهو أخسر للمتعاملين ، فإن عليه أن يربح أضعاف حقه حتى يحصل على عوائد مثلثة الزوايا ، صرفا في حاجياته ودفعا للربا وجمعا لمثل رأس ماله.